dimanche 2 octobre 2011

المغضوب عليهم.....



                                                                              
                                                                                ..


 المشهد الحقوقي والسّياسي الرّاهن في تونس لم يعد يحتمل مزيدا من الغموض والإرتجال    و لا يبرّر الثّقة  في مصير ثورة لم يكتمل مسارها ولن يكتمل طالما أنّ  قيادتها سحبت من باعثيها و صنّاعها... لتنتهي مطيّة يركبها من شاء من فلكلوربعض المتحدّثين في الشّأن العامّ. مالّذي قدّمته الحكومات المتعاقبة منذ رحيل  الرّئيس المخلوع  من إنجازات حقوقيّة جدّيّة بآتّجاه محاسبة رموز الإستبداد في ضلّ نظام 7 نوفمبر؟ هل طهّرنا الإعلام؟ هل حرّرنا الإدارة و حاسبنا المجرمين أم أنّتا قبلنا ببقاء الوضع على ما كان عليه قبل 14 جانفي وصادقنا على تكريم القتلة والجلاّدين ؟ لقد أعزّ تونس شبابها الثّائر لأجل الكرامة وخذلها وهي في عنفوان آنتفاضتها بارونات الإنتهازيّة الحزبيّة والحقوقيّة ...المنقطعين اليوم تحت معرّة آنتقال ديمقراطيّ هم عاجزون على تصوّره فضلا عن إنجازه  بالتّحضير – تحت رعاية النّظام الإداري والسّياسي الّذي أسّسه زين العابدين بن علي-   لموعد آنتخابي سيعيد لمنظومة الإستبداد روحها و سطوتها. رجال بن علي... تسند لهم الأحزاب وتفتح أمامهم  فضاءات "إعلام الأوباش" و تعزّزهم الأجهزة البوليسيّة برجال أعمال متطوّعون لأجل تونس ...ليعاد تسويقهم في الوعي العامّ كفاعلين من الممكن الإعتماد على "خبراتهم" بعد الثّورة...لبناء "ديمقراطيّة مرحليّة" مستمدّة من البرنامج الرّئاسي "تونس الغد"...  إلى أين غادرت أصوات الّرفض ؟...مالّذي حلّ بقوى الثّورة وتونس يحدث فيها ما يحدث من آنتهاكات و آتّفاقات مشبوهة وصفقات "صامتة" تحت مسمّيات واهية من شاكلة التّروّي والتّعقّل والواقعيّة ؟  أليست الأجواء العامّة تونسيّا اليوم مستنسخة من مناخ التّسعينات...الّذي مهّدت له آنتهازيّة اليسار واليمين ليتربّع بن علي ورجالاته طيلة عقدين من الزّمان على عرش قرطاج محوّلا خلالهما تونس إلى محتشد رهيب مفاتيحه تمسكها زمرة الولاء والطّاعة. جاءت الثّورة ..."معركة الكرامة"...بإرادة شعبيّة تلقائيّة لا تتزعّمها أحزاب أو أيديولوجيّات...  خرج الشّعب بجميع فئاته وجهاته رافعا شعار الحرّيّة أوّلا وأخيرا...والقطع مع جميع رموز العهدين البائدين الأوّل والثّاني...هي أوّل مرّة في التّاريخ يخرج فيها شعب للشّارع متخلّصا من إرهاصات وضوابط و مسلّمات سوسيولوجيا الثّورات و متحرّرا من ضوابط الأيديولوجيّات متجاوزا "واقعيّة" الزّعامات..."  مصرّحا أنّه "يريد إسقاط النّظام".... هكذا تنادى أبناء تونس الحرّة ... ذهب بن علي والبعض من أوفياءه بعيدا عن قصر قرطاج تحت فعل المقاومة المدنيّة السّلميّة...وهم الآن يقاومون بكلّ الوسائل المتاحة ليسترجعوا مجدهم - من خلال أوفيائهم- و يواصلوا آستعباد الأحرار-...ذوي الضّمائرالحيّة والهمم العالية -...أولئك                                                                                            
الّذين لا يبيعون و لايساومون-  من خلف ستار وقد ساروا خطوات حاسمة  في هكذا آتّجاه...               
 ضلّت جرائم العهد البائد بدون عقاب...جدّي بل ووقع تبييض مقترفيها بحرص موصول ومدفوع الثّمن من أشخاص لطالما تجمّلوا بشعارات الفضيلة و حقوق الكادحين. لم يحاكم ولن يحاكم أحد من زبانية بن علي الحقيقيّيين محاكمة جدّيّة...نعيدها لمن لم يسمع ولا تعجبوا كلّما قيل لكم أنّ أصدقاء الجنرال وأمناء سرّه  قد ساهموا في الثّورة.. ... ليست المعضلة  ها هنا قضاء فاسد فحسب بل حالة فساد عامّ لم تسلم منه أطياف عريضة ممّا يسمّى مجتمعا مدنيّا في تونس... "ضحايا" البارحة يمارسون اليوم وعيهم الثّوري بتقيّة إخوان الصّفاء ...  مختفين خلف أسماء مستعارة...مقاطعين الكتابة والتّعبير أو منهمكين في عمل لجان البيع والشّراء ...فأسهم دماء الشّهداء تبدو مرتفعة هذه الأيّام في بورصة القيم الصّريعة والمقتولة:..... فهنيئا لهم مهامّهم الجديدة....فالثّورة جاءتنا بطابع بريدي يحمل صورة الشّهيد محمّد البوعزيزي وعربة الخظار...وصحافة  وفيّة لأعلامها...أزلامها  زمن  الطّغيان المباشر....فهنيئا لكم بآنتخابات سيرعاها أعوان المقيم العامّ المقيم "مؤقّتا" بضيافة الملوك... ...ويشرعنها نجباء مدرسة "عبد الوهّاب عبد اللّه"  ...الزّهّار والحاجّة وبوبكّر الصّغيّر وعبد العزيز الجريدي...                                                                                          

أيّ مشروع مجتمعي تريدون لتونس أهو تكريس عبادة الوثن وتحريف التاريخ وتكديس المقولات والإختيارات العنصريّة الّتي  آختزلت تونس ونظالات شعبها وتاريخها وثرواتها  في مدينتين أوثلاث في احسن الأحوال أم هي تونس الجميع  قولا وفعلا أي  كذلك تونس القصرين وسيدي بوزيد والكاف وجندوبة والقيروان وقفصة وكلّ الجهات  كلّ الجهات بدون آستثناء...ما معنى أن  يقع الإعتداء على فنّان تونسيّ بولاية المنستير بموافقة صامتة من  كلّ المهرولين إلى الكراسي الشّاغرة ... تأديبا له لعدم آعتقاده- وهذا حقّه- في "زعاماتيّة"  بورقيبة "..ألم يصرّح أحمد بن صالح  في ماي 1973 ضمن شهادة موثّقة ومكتوبة  أنّ بورقيبة خائن "....خان الشّعب في مسيرته على درب الكرامة"...فما بالكم  لا تأدّبون أحمد بن صالح ....من كان قريبا لبورقيبةأكثر   من أحمد بن صالح؟  من أسند له بورقيبة  أربع حقائب وزاريّة مرّة واحدة؟ ألستم من ينعت   "صانع التّغيير" الّذي عملتم معه وتحت إمرته...نفّذتم نزواته وميولاته بخائن.......هل كان  "صانع التّغيير" يمارس بيع الوطن بمفرده؟ وهاته الكائنات اللّطيفة المقيمة بحكوماته  وأحزاب الولاء و الّتي آنقلبت عليه فجئة  وهو وليّ نعمتها وصارت تنعته ب"المخلوع" وتتبرّأ منه بعد طول ركوع بين قدميه....هذه الكائنات  ما علاقتها بثورة الكرامة الّتي دفع ثمنها من دم الشّهداء...وأرواح وأجساد  ضحايا التّنكيل الإداري والإهمال الصّحّي و من عرفوا السّجون والمنافي الحقيقيّة لا الورديّة؟ لم يعد من الجدّيّة في شئ مواصلة الحديث عن ثورة 14 جانفي أو "مكتسبات" و "إنجازات" تحقّقت في ضلّها عدى تناسخ الهيئات والمؤسّسات عديمة الجدوى والفعاليّة تماما كتلك الّتي أثّثت عقدين من حكم بن علي والبارعة في فنّ "التّلاشي في الحواشي". يجب علينا التّحلّي بقدر من النّزاهة والشّجاعة  لنصارح شعبنا بالحقيقة المفزعة: نظام بن علي لم يرحل بل أصبح اليوم أكثر شرعيّة منه أيّام رئيسه المخلوع بعد نجاحه في آستدراج لفيف عريض من "المعارظات" الّتي حالفته سرّا في ماضي الأيّام ...  إلى مربّع إشهار الجشع و فساد الحسّ الوطنيّ لتكسي آدائه مسحة من الشّرعيّة الشّكليّة ما أحوجه لها لتمرير أهدافه و برامجه المعادية لكرامة أحرار تونس أولائك الّذين واجهوا بصدورهم المكشوفة و هممهم الأسطوريّة آلة قمعه وآستعباده صانعين ملحمة الرّديف وتبدّيت والصّخيرة ثمّ القصرين وسيدي بوزيد و الملاّسين والكازمات والشّبيكة والرّوحيّة  و سيدي حسين والكرم وباقي الجهات المنكوبة والمنسيّة... طمست الثورة ولم يعد مقبولا من قوى التّغيير الرّكون إلى السّلبيّة ومسايرة أوهام آنتخابيّة ستعود بالبلاد إلى تجربة بيان 7 نوفمبر 1987 بواجهة "ديمقراطيّة" مؤقّتة ستكلّل في غضون أشهر أو سنوات معدودة بعودة الدّولة لملاّكها التّاريخيّيين ...لن يحدث شئ غير ما نقول- والأيّام بيننا- طالما أنّ شيئا لم يتغيّر منذ رحيل بن علي.                                                                                                                              

 إنّ الإنتخابات المزمع إجرائها في الثالث والعشرون من أكتوبر لن يجني منها أحرار ثورة الكرامة سوى الأوهام. فلا مجال للتّسويق لآنتخابات حرّة ونزيهة في ضلّ حكومة الباجي قايد السّبسي وهو أحد أبرز المعتدين على إرادة الشّعب لمّا كان وزيرا للدّاخليّة والعالقة بسيرته تهم قتل وتعذيب. كما أنّ هذه الإنتخابات فاقدة لأدنى شروط النّجاح نظرا لأنّ الإدارة الّتي ستواكب مراحل إعدادها وإجراءها لم يقع تطهيرها من رموز العهد البائد فضلّت إلى اليوم بين يدي قوى تدين في خطّيتها بالولاء والوفاء لبن علي. ألم نكن على صواب لمّا قلنا منذ أشهر " لن يحاكم أحد"  من رموز دولة بن علي محاكمة جدّيّة؟ هذا ما نشهده اليوم وسط غوغاء آختزلت مهمّة الإصلاح في إقالة وزير....                                                   
                                                                             
 فكيف لشباب الثّورة القبول بمن يحملون خطاب طهراني يندّد بالمال السّياسي "المشبوه" ويتحالفون مع حامليه ؟, يقرّون بأنّ "هيئة بن عاشور" شكّلت على مقاس الطّامعين في إجهاض الثّورة ثمّ يجالسون رموزها؟  يعتقدون – مثلنا- أنّ دولة الإستبداد لم تسقط بل زادت تمكّنا من المجتمع والدّولة ويدعون بل يهرولون نحو صناديق آقتراع سترعاها فلول الجنرال بن علي وأوفياءه المخلصين..في أركان دولة الإستبداد؟ يساندون مطلب حلّ التّجمّع ويفتحون أحزابهم لرموزه الضّالعين في الفساد المالي والسّياسي؟ الشّعب يريد إسقاط النّظام ..لا يريد آنتخابات زائفة ...الشّعب قاطع مهزلة "أنا قيّدت" و لم يجرأ أيّ من آنتهازيّة الدّولة والمعارضات للخوض الجدّي في هذه المسألة...لما يا ترى؟                                                  
                                               
كانوا يقولون للشّباب "إنّ الحقوق تفتكّ من مغتصبيها" ويستنكرون عليه ما بدى لهم منه آستكانة وخضوعا, فلمّا آنتفض مقدّما زهرة حياته قربانا للحرّيّة وأسقط الطّاغية الجبان , صاروا يلتمسون من أعوان الطّاغية بعض المنن و"الحقوق" الشّكليّة من قبيل تغيير وزيروكأنّنا في أحد الدّيمقراطيّات الكبرى والّتي للوزير فيها سلطة وقرار... أو محاسبة موظّف , أي مجرّد أجير...وترفض "طلباتهم" على هزالها و تفاهتها فيعودوا صاغرين مذعنين لما آرتآه السّيد خليفة الطّاغية الجبان قابلين بإملاآته.                                                                    
                                              
أعادوا لحزب الجريمة سطوته ومكّنوا أعوانه من أحزاب ثمّ تناحبوا مذعورين : "إنّ التّجمّع يعود بقوّة؟" من أعاده غير تلكم اللّجان المتواطئة الّتي "شرعنتموها" ؟ و هل كان له من عودة لولا الإتّفاقات الّتي عقدت في السّرّ بين أجنحة متنفّذة في سلطة بن علي و جهات أوروبّيّة وبعض الأطراف السّياسيّة...ستكشفها الأيّام و سنرى إلى أين ستفضي هذه الإتّفاقات ...موعدنا في غضون سنتين على أقصى تقدير ....                                                                                                               
                                      
لكم أشمئزّ من كلام صار متداولا على الفضاء الإفتراضي من قبيل " ل"نحذر" "بعض" الأحزاب" وكأنّ لهكذا تحذير و محاذير قيمة أو غاية ستجني "بعد" الإنتخابات...في عمق هذا التّحذير نستشفّ دعوة ضمنيّة للمساهمة في المهزلة القادمة. ومن بين الأخطاء التّحليليّة الشّائعة : أنّ الأحزاب التّابعة لأعوان بن علي تريد تعطيل الإنتخابات  أو أنّ هذه الأحزاب لن تسمح  بتحقيق "فوز" آنتخابي....لأحد الأطراف الحزبيّة المشاركة .... فأمّا عن الإنتخابات فإنّ أحزاب بن علي لا يهمّها إن حصلت أو لم تحصل آنتخابات إذ في كلا الوضعيّتين لها تصوّر جاهز يخوّلها توضيف أيّا من الوضعيّتين- ولو بعد حين- لفائدتها المطلقة.   لهذه الأسباب يصبح القول بأنّ هذا النّظام الإستبدادي يسعى لتعطيل مهزلة 23 أكتوبر  ضرب من  المغالطة. فأوّل من سيدافع على إجراء هذه "الإنتخابات" ولو بعد التّاخير في موعدها هو نظام الجنرال بن علي. لأنّه حافظ على السّلطة وفقد الشّرعيّة وهو في أمسّ الحاجة لها اليوم لآستكمال "هيبته" والتّشريع لعودته – وإن بعد حين- جلاّدا للعباد والبلاد.                                                                                                       
                                                      

من يدخل مهزلة 23 أكتوبر ليس من حقّه الخروج علينا في الرّابع والعشرون منه مندّدا و منتقدا لما آلت إليه العمليّة الإنتخابيّة أو مشكّكا في عدم حياديّة الإدارة . نطلب إعفاءنا من هذا الفصل التّراجيدي لمسرحيّة ستنتهي بدخول ببيت الطّاعة والقبول بأمر الأسياد و عودة الإستعباد مقابل مربّع من المذلّة المدفوعة الأجر.  لأنّ ضروف إجراء هذه الإنتخابات كلّها مجتمعة تبرز بوضوح نيّة السّلطة التّنفيذيّة الإبقاء على آختيارات التّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي { المنحلّ نظريّا} و عزمها على صناعة مشهد سياسيّ مريض يحمل من داخله شروط تلاشيه وسقوطه وهو ما سيقع حتما وآنذاك سيبدأ "الحلّ النّهائي" في حقّ القوى التّحرّريّة الّتي نازلت الإستبداد في الشّارع  بصدور عارية ووجوه مكشوفة.                     

                                                                                  
أصبحت الثّورة ملكا لأطراف  لم تقم بها و لا ساهمت فيها ... هنالك مفكّرين و كتّاب ناضلوا لأجل هذه المرحلة التّاريخيّة من تلاشي دولة الإستبداد في تونس... منذ زمن بعيد وهنالك تيّارات سياسيّة أشهرت معارضتها للحزب الإشتراكي الدّستوري فقمعت ودجّنت في ضلّ الحكم البائد الأوّل والثّاني ... لا خلاف حول الدّور الّذي قدّمه عديد الوطنيّيين لآستنهاض الهمم والسّير بها نحو مواجهة الحاكم الصّنم... إلاّ أنّ الثّورة قامت من دون أن تأ تمر بأحد من أدباءها أو مفكّريها ....اليوم تصدر من بعض الأشخاص "فتاوى"... تطعن في وطنيّة من يقاطع مهزلة الإنتخابات بل و تصنّفه "دينيّا" في خانة "المغضوب عليهم" والضّالّين...يا رفاق الدّرب كم بقي من الطّريق لتصبح  ثورة المواطنة والحرّيّة والكرامة مأمورة من     شيوخ "الحلال والحرام"



عادل الزّيتوني

باريس في 3 أكتوبر 2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire