خالد… وسمير… و اليوم المقدّس ...
عندما شاهدت تلكم الوجوه المكفهرّة لشدّة إيمانها في قدسيّة يوم 24 يوليوكموعد دونه الفوضى والإنهيار حسب الضّالعين في الفكر ...آزددت إقتناعا بأنّ داء تونس العضال مصدره طيف عريض من الأشخاص المحسوبين على النّخبة صنعهم مشهد إعلامي "معارض" ورسمي مبنيّ على الإقصاء والإنتقائيّة .ولنقلها صراحة لم يكن للشّعب التّونسي أن يضرب موعدا مع التّاريخ بإسقاطه لأبشع طغات العصر الحديث لولا تخلّصه من أيّ تبعيّة لتلكم النّخب وما شابهها من زعامات سياسيّة و"حقوقيّة" وصوليّة وآنتهازيّة...ثورة شعبنا الأبيّ, والّتي آنطلقت منذ أحداث الحوض المنجمي بقفصة, محدثة منعرجا في تاريخ الإنسانيّة قاطبة مربكة مسلّمات سوسيولوجية الثّورات... ثورة تونس آثارها وآرتداداتها ستضهر في العقود القادمة...حيثما تتصوّرون ولا تتصوّرون...حيث ما كان هنالك حيف وإقصاء ...فلا نعجل. لكن ما أخشاه هو أن تنجح شعوب أخرى في تلمّس الطّريق المؤدّية إلى الحرّيّة مستأنسة بثورتنا التّونسيّة {مصر العربيّة مثال على ذلك} وأن تحنّط ثورتنا في المهد ضحيّة طموحات سياسيّة حزبيّة ضيّقة لا ترقى إلى الأمل الكبير الّذي ضحّى وآستشهد لأجله المئات من أبناء الوطن.
هل سقطت دولة الفساد في تونس؟ سؤال مركزيّ لا تقنعنا في الردّ عليه إجابة غير تلك القادمة من عمق الجهاز الماسك فعليّا في أيّ عصر ومصر لأدوات تنفيذ إرادة آلسّطة. إذ لمّا كان بعض المتكلّمين في الثّورة و في ما قدّمه غيرهم من تضحيات منقطعين للإقناع بضرورة التّعجيل بآنتخاب "مجلس تأسيسي" - في ضلّ أوضاع سياسيّة مريبة وحكومة تحمل أورام وعقليّة العهد البائد- كحلّ لولوج عصر الحقّ والقانون- نطق رجل شريف لا طموح له غير خدمة تونس والدّفاع على كرامة أبناءها كاشفا لعموم الشّعب بشاعة الحقيقة الّتي يسعى البعض للتّستّر عليها قائلا {بصحيفة الخبير} " يمكن لي الجزم بأنّ (دولة الفساد) لم تسقط ما دام مجرم بن علي ....موجودا على رأس جهاز المخابرات الّتي تمثّل إلى اليوم قلعة من قلاع دولة الفساد". كلّ الوجوه المدعوّة بشكل يكاد يصبح يوميّا للفضاءات الإعلاميّة الموروثة عن العهد البائد الثّاني – الّتي مارست ولا تزال علينا الإقصاء بسبب مواقفنا اللّبراليّة الرّاديكاليّة من مسألة الحرّيّات- كانت مطالبة بالدّفاع على السّيد المحافظ أعلى سمير الفرياني وآستخلاص ما يجب آستخلاصه من المعاني المتمترسة خلف تصريحاته بآتّخاذ موقف وطنيّ مسؤول لا من جهاز الأمن السّياسي الّذي – مثلما اكّدنا منذ حكومة الغنّوشي- لم ينحلّ بعد بل من حكومة الباجي قايد السّبسي. لماذا لم يبيّن الباجي قايد السّبسي للرّأي العام موقف حكومته من قضيّة حكومة الضّلّ – ونحن أوّل من نبّه لوجودها ضمن كلمتنا الأولى في تسجيل فيديو خلال الأسبوع الأوّل من حكومة الغنّوشي - والّتي تسيّر الشّأن الوطني بآتّجاه الإبقاء على منظومة حكم بن علي الإستبداديّة سواء حصلت أو لم تحصل آنتخابات؟ ما أنبلك يا سمير وأنت تقول بنبرة فيها الكثير من روح حشّاد...وأحرار تونس ... " إنّني لن أخذلك يا شعبي ولا خوف بعد الآن ما دامت القوّة يملكها الشّعب ولا لوبيّات المال بقواها المنظورة وغير المنظورة".
جماعة "اليوم المقدّس إنّي أسألكم : " هل سقطت دولة الفساد؟ وإن كان جوابكم بالنّفي عن أيّ آنتخابات تتحدّثون؟ أوتعتقدون أنّكم أدركتم من الوعي بخصوصيّة المرحلة والأخطار المحدقة بالثّورة ما يؤهّلكم لترتعوا ديمقراطيّا"أنّى شئتم" في ضلّ دولة الفساد القائمة برموز عهديها البائدين؟ أو هي الإتّفاقات في ضلّ دولة الفساد المحروسة غربيّا والّتي بمقتضاها ستحصل محاصصة سياسيّة لا يجوع بعدها ذئب أو يشتكي راعي؟ أنتم فقط من يملك الإجابة ...نحن كلّ ما لدينا أسئلة و معطيات غير مطمئنة يؤكّدها وجود رموز الفساد في ضلّ "العهد البائد الثّاني" كمترشّحين لرسم ملامح المرحلة القادمة بمشاركتكم أومباركتكم...و في أقصى الحالات رغما عنكم وعنّا وبمباركة غربيّة..كتلك الّتي صادقت في موريتانيا على آنقلاب العسكر على الدّيمقراطيّة أوتلك الحامية للنّظام السّعودي المتخلّف والخارج عن التّاريخ و المترنّحة ..المتردّدة حول رحيل أو بقاء "مجنون ليبيا" بسدّة الحكم.....
أيّ وعي سياسيّ هذا الّذي يدفع بالبعض – وبوليس بن علي السّياسي ما يزال ماسكا بزمام الدولة حسب معطيات متطابقة آخرها ما صرّح به رسميّا المبعوث الأممي مارتن شاينين- للتّسويق لثقافة الخوف من عدم الإلتزام باليوم المقدّس 24 يونيو...حتّى كدنا نخشى من أن يصير الجلد في السّاحات العامّة حدّا واجبا على مخالفيه...أيّ عقلانيّة هي تلك الّتي تجيز لبعض المتكلّمين في الشّأن العامّ بإقرار معادلة تقول بأنّ وجود دولة الفساد لا يمنع من إجراء آنتخابات حرّة ونزيهة؟ فإن كانت معادلتكم سهلة وبسيطة إلى هذا الحدّ فلما التّشكيك في نزاهة آنتخابات زين العابدين بن علي وأنتم تفصلون بين فساد الدّولة ونزاهة الإنتخابات.
لكم كنّا نتمنّى لو أنّ تعليق بعض الأطراف لعضويّتها بلجنة عياض بن عاشور – والّتي كنّا أكّدنا على أنّها منقوصة الشّرعيّة والمشروعيّة لأسباب عديدة من بينها أنّ التيّار الشّرعي الوحيد الممثّل للخطّ اللّبرالي والّذي نمثّله لم يقع تشريكه فيها فهي لجنة معادية للفكر اللبرالي تسعى للتّحدّث بآسم ثورة تحرّريّة قامت لأجل الحرّيّة والكرامة لا ثورة جوع- كان للمطالبة بآجتثاث أركان دولة الفساد...بدءا بتنظيف جهاز القضاء من رموز الإستبداد وأعوانه والشّروع الجدّي في فتح ملفّ من قتلوا خيرة شباب البلاد...ومن عذّبوا وهجّروا ودمّروا الطّموحات والأحلام, فإلى تاريخ هذه الكلمات لم يحاكم أحد من رجالات العهد البائد الثّاني (الأوّل هو العهد البورقيبي) وكلّ ما يشاع في الصّحافة والقنوات التلفزيّة التّعيسة هو مجرّد مسكّنات لتلهية الشّعب وإغراقه في الوهم بسقوط دولة الفساد. ما قيمة أعمال لجنة عبد الفتّاح عمر إذا كان ملفّ الفساد والإرتشاء على حساب المال العام المتعلّق بأربعة أمناء عامّين لأحزاب ديكور ساندت زين العابدين بن علي إلى يوم 14 جانفي 2011 ما يزال معلّقا؟ ...لسنا من اليسار المتّهم بالسّعي لتعطيل إجراء آنتخابات المجلس التّأسيسي في اليوم المقدّس فلقد طالبنا منذ 4 نيسان في رسالة موجّهة إلى رئيس الدّولة المؤقّت بتأجيل موعد آنتخاب "مجلسكم"... إلى موفّى شهر تشرين (أكتوبر) لآعتقادنا وأنّ مرحلة الشّروع في الإنتخابات في بلد عاش القهر طيلة 55 سنة بدون آنقطاع تستلزم تطهيرا لجهاز الإدارة من كلّ رموز الفساد والإستبداد.
أولويّتنا تطهير الفضاء السّياسي و الإداري والجمعيّاتي من توابع خائن الوطن والشّعب و…"صانع التّغيير" في سرّ محبّيه أصحاب الأحزاب الجديدة…لسنا مع الإجتثاث والإقصاء لمن لم يتحملوا في ضلّ ذلّه مسؤوليّات من شأنها التّأثير في مسار البلاد…ولسنا كذلك مع العجلة الموبوؤة النّتائج…فما بالعهد من قدم ....ضلّت بلجيكا سنة كاملة بدون حكومة ولم تتزعزع أركانها إلى أن حسمت أولويّاتها...
حاربنا الفساد قبل الثّورة بإثني عشر سنة داخل أعرق مؤسّسة مصرفيّة في البلاد.... الإتّحاد الدّولي للبنوك …وكان جزاءنا أن دمّر زبانية بن علي ما بنيناه بالجهد والإمتياز والكفاءة…فحرمنا من الشّغل و…عرفنا المنفى الحقيقي (لا المنافي الورديّة الكاذبة) ضريبة لمقاومة الفساد…ولمّا عدنا إلى أرض الوطن وجدنا أحد رموز فساد الإتّحاد الدّولي للبنوك سيئّ الذّكر المدعو "إبراهيم سعادة" يتحمّل مسؤوليّة عظمى في تونس الثّورة : نائب محافظ البنك المركزي. وهو من المبشّرين... نظرا لمؤهّلاته "الجهويّة" بحقيبة وزاريّة. ..ثمّ ماذا؟ ثمّ ماذا؟...آسمحوا لي قبل "ختم" هذا الكلام بآصطحابكم إلى الذّكرى إلى الحيّ الّذي نشأت فيه وتعلّمت أصول الحياة…باردو …ومعهد خزندار ..ثمّ كلّيّة الحقوق والعلوم السّياسيّة بتونس …حيث آلتقيت بكلّ من خالد وسمير…جمعتنا مقاعد الدّراسة وأحتفظ لكليهما في تلكم الفترة بذكر طيّب…آختلفت مساراتنا …و فجأة في غمرة المنفى علمت أنّ خالدا تحوّل إلى …….يقبل بإهانة الإنسان بحضوره وتحت أوامره…صدمت...لأنّي عرفت خالدا آخر...مختلفا تماما عن هذا.الصّادر في شأنه حكما فرنسيّا بإثنى عشر عاما سجنا لأجل التّعذيب.....وهو يحضى اليوم برعاية حكومة الباجي قايد السّبسي..وفاءا لسيرة سلفه محمّد الغنّوشي في ضلّ الحكم البائد الثّاني....كما يحضى بصمت مخجل من قطاع عريض من "الحقوقيّيين" و "أصحاب الفضيلة"…أمّا سمير فلقد بقي كما هو إنسان نبيل.. لم يفاجئني أبدا موقفه لقد ضلّ مثل ما أعرفه وفيّا للمبادئ الّتي نهل منها على مقاعد العرفان... وأوّلها حبّه لشعبه ومقاومة الفساد…هو اليوم رهن الإيقاف وسيحال على القضاء العسكري …...لأجل تونس ...فهل منكم شرفاء مستعدّون للوقوف إلى جانب سمير وأن يكونوا في مستوى ما تستلزمه هذه القضيّة من وعي ... هذا رجل شريف يواجه بمفرده دولة فساد العهد البائد الثّاني الّتي لم تسقط....هذا هو واجبكم الحقيقيّ اليوم...و هو كذلك واجبنا المقدّس.
عادل الزّيتوني
باريس 2 يونيو 2011
koîi^jîî
RépondreSupprimer