دخلت تونس منذ ما يناهز الشّهر مرحلة آستثنائيّّة فارقة في تاريخها السّياسي أبرزملامحها هذه الإنتفاضة الشّعبيّة العارمة والشّاملة في وجه الظّلم والإستبدادوالّتي قال من خلالهاالتّونسيّون الأحرار بمعزل عن أيّ وصاية حزبيّة أوسياسويّةكلمتهم وحكمهم في الإنتهازيّةالّتي سامتهم وأذاقتهم الويل والعذاب منذ نصف قرن تباعا تحت مسمّيات "البورقيبيّة" و"العهدالجديد".ومثلما سبق أن نبّهنا بتاريخ 28 ديسمبر2010 ضمن مراسلة وجّهناها إلى الأمميّةاللّبراليّة ,سعى زين العابدين بن علي إلى محاولة إرهاب الشّعب بالتّعامل مع مطالبه السّلميّة المتعلّقة بالشّغل والحرّيّة والتّوزيع العادل لخيرات البلاد, تعامل بن علي مع أبناء تونس بأسلوب قمعي ودموي همجيّ معتقدا أنّ هكذا معالجة ستربك إرادة أحفاد يوغرطة والأزهر الشّرايطي ومحمّد علي الحامّي وحشّاد أو تفلّ في عزائمهم, وقد قرّروا التّخلّص من آخر مستعمر للبلاد ودحر الظّلم والطّغيان. وإنّ حركة الأحرار الدّيمقراطيّيين التّونسيّيين إذ تنحني كوادر ومناضلين إجلالا وإكبارا لشهداء معركة الكرامة الّتي آندلع لهيبها ولن يقف إلاّ بقصر الشّعب بقرطاج,والّتي بدأت منذ العام 2008 بالحوض المنجمي, فإنّهاتترحّم على أرواحهم الطّاهرة و تتقدّم إلى أهاليهم بأصدق عبارات التّعازي داعية الهيئات الحقوقيّة الوطنيّة وعلى رأسها المكتب الشّرعي للرّابطة التّونسيّة لحقوق الإنسان والمجلس الوطني للحرّيّات ومنظّّمة حرّيّّة وإنصاف للتّنسيق فيما بينهم حول صيغة قانونيّة لتتبّع الجنات أيّا كانت مسؤوليّاتهم وصفاتهم مباشرةأمام القضاء الدّولي لآنتفاء الشّروط القانونيّة والدّستوريّة لمقاضاتهم الآن في تونس {القضاء المستقل و شروط المحاكمة العادلةّ}ورفع هكذا دّعاوى أمام القضاء التّونسيّ. وإنّ حركة الأحرار الدّيمقراطيّيين التّونسيّيين تشجب بشدّة كلّ أشكال الإنحراف بتضحيات شعبنا عن مسارها الطّبيعي أومحاولات توضيفهاإشباعا لنرجسيّات ذاتيّة مرضيّة عبّرعنها أحد أعضاء المكتب السّياسي للحزب الدّيمقراطي التّقدّمي وتبنّاها هذا الأخير.فآلدّعوة لآستقالة وزير الدّاخليّة و التّخابرفي الآن ذاته مع المسؤول الأوّل على قتل أبناء تونس وتشريدهم وتعذيبهم بما يتضمّنه من تزكية له وتبرئة ليديه الملطّختين بدماء أهلنافي تونس[ لسيّما بالنّظر إلى صفاته الدّستوريّة كقائد أعلى للقوات المسلّحة ورئيسا للمجلس الأعلى للقضاء والمسؤول الأوّل بعد رئيس الحكومة عن جرائم السّلطة التّنفيذيّة في حقّ الشّعب والوطن] هوخيانة للشّهداء. فعندما يقتل الجيش الإسرائيلي سبعة مواطنين أتراك نشطاء سلام وهي حادثة مأساويّّةنستنكرها يطالب حزب السّيد نجيب الشّابّي بتتبّع رئيس السّلطة التّنفيذيّة الإسرائيلي كمجرم حرب وهو ما لم يطالب به حتّى رجب طيّب أردوغان أمّا لم يقتل زين العابدين بن علي 70 مواطنا تونسيّّا على الأقلّ تظاهروا سلميّا في ما كانوا يعتقدونه وطنهم رافعين مطالب شرعيّة, ينادي السّيّد نجيب الشّابّي بإقالة الحكومة ويدعو القاتل لتشكيل حكومة أخرى هي أشبه بتلك الّتي شكّلها محمّد الصّالح المزالي أيّام الإستعمار الفرنسي بمعيّةالمقيم العامّ فوازار, ليكون هو{ أي السّيد نجيب الشّابّي} أو من ينوبه فيها وزيرا.... إنّ تقديرنالتضحيات مناضلات ومناضليّ الحزب الدّيمقراطي التّقدّمي الصّادقين في دفاعهم عن حقّ شعبنافي الحرّيّة والكرامة والعدالة الإجتماعيّة ليلزمنا اليوم بالتّوجّه إليهم مباشرة مطالبينهم بإعادة النّظر في هذاالإنحراف الّمناقض لما عهدناهم عليه من آنحياز لمعارك الحرّيّة.إنّ مجرّد آعتبار المجرم ضدّ الإنسانيّة زين العابدين بن علي "رئيسا شرعيّا" لوطننا العزيز, تجوز مناشدتهلأيّ أمر كان أصبح في تقديرنا خيانةعظمى منذ سماحه بقتل ابناء تونس , ...هذا الشّخص أدمى قلوب التّونسيّات والتّونسييين و يجب أن يحاكم أمام قضاء عادل على جميع الجرائم الّتي أذن بهافي حقّ شرفاء تونس. إنّ معركة الكرامة الّتي سبق لنا التّأكيد على حتميّتها في بياننا المؤرّّخ في 6 نوفمبر 2010 ستعصف لا محالة برموز الإنتهازيّة السّياسيّة والحقوقيّة في تونس أولائك الّذين ينسبون اليوم لأنفسهم صفة المفاوض بآسم شعب لم يفوّضهم أبدا للحديث بآسم أبناءه الأبرار الّذين قدّموا أرواحهم ثمنا لكرامة كلّ التّونسيّيين.
لقدخرج الشّعب التّونسي إلى الشّارع ليعبّرعن رفضه لنظام حكم الجنرال زين العابدين بن علي الّذي تواصل منذيوم7 نوفمبر 1987 إلى اليوم معتمدا على الموروث الإستبدادي لسلفه نظام حكم بورقيبة ورجالاته الأوفياء لفكرة دولة القلّة المفضّلة على قاعدة آنتمائها الجهوي {السّاحل} أوالحزبي{الحزب الإشتراكي الدّستوري} أو العائلي مقابل الأغلبيّة المهمّشة والمدفوعة دفعا نحو الحلول القصوى كالهجرة السّريّة والإنحراف.كما وقع تدجين المجتمع المدني وإسكات صوت قواه الحيّة الحقيقيّة في ضلّ هذا الحكم المارق بما أنتج فراغا رهيباإلاّ من حزب حاكم {منذ نصف قرن}هو في حقيقة الأمر مؤسّسة مفسدين و هيكل هلامي يعمل ويأتمر بأوامر البوليس السّياسيّ. قبل الأحداث الأليمة للحادي عشر من سبتمبر كانت أجهزة الدّولة في تونس قد قطعت أشواطا كبيرة في إشاعة ثقافة التّطرّف و معادات السّاميّة على المستوى الشّعبي الدّاخلي { خصوصا من خلال الصّحافة الشّعبيّة والإعلام المرئي والمسموع} معتمدة بالنّسبة للواجهة الخارجيّة خطاباآخر يظهر حداثيّا تحرّريّايدين التّطرّف والإرهاب ويدعو للإيخاء بين الشّعوب.هذه السّياسة كانت غايتهاكسب ودّ مراكز القرار الدّولي من ناحية و "إيجاد" العدوّ الدّاخليّ والّذي يكون وجوده مبرّرا لا لتواصل نظام الحكم الإستبدادي فقط بل وكذلك لتظهرالدّولة المارقة قدراتها الرّهيبة في ممارسة العنف "المشروع" من ناحية أخرى. وهو ما سيمكّنهامن إدراك هدف أساسي ألا وهو إشاعة ثقافة "الخوف" ...وهي الثّقافة الّتي ستحكم بالصّمت على أغلب فئات المجتمع طيلة عشرون سنة. ولقد تدعّم هذا الخيار الإستبدادي في تونس خصوصا بعد الأحداث الأليمة للحادي عشر من سبتمبر. لهذه الأسباب ولمّابدأ الغرب ينظر إلى الحالة التّونسيّة بعين الرّيبة خصوصا على ضوء تقارير المنظّمات الدّوليّة المعنيّة بالحوكمة وحقوق الإنسان ولكي يحافظ على الإعتقاد في وجود خطر داخليّ دائم يهدّد الإستقرار و"النّجاحات التّنمويّة" الّتي تكذّبها اليوم آنتفاضة الشّعب, أصدرنظام بن علي سنة2003 قانونا لا دستوريّا تحت عنوان "معاضدة الجهد الدّولي لمقاومة الإرهاب" سيشكّل أداة رهيبة لصنع آلاف المتّهمين بغير وجه حقّ بالإنتماء إلى الفكر السّلفي الجهادي. قانون العام 2003 جاء لمواصلة "صنع " هذا الخطر الوهمي محلّيا. وهو ما أكّده السّيّد مارتن شاينن المقرّر العام للأمم المتّحدة لدى زيارته لتونس في العام 2010. واليوم بعد أن أصدر الشّعب التّونسي حكمه النّهائي على حفنة المارقين الّذين صادروا إنسانيّته وصاروا يحكّّمون فيه عدائيّتهم وجورهم من دون رادع أوضمير خرج الجنرال زين العابدين بن علي على شاشة التّلفاز ليسوّق وعودا كاذبةلن يتحقّق منها أيّ شئ مذيّلة بدعاية مفادها أنّ من بين المحتجّين أشخاص "ملثّمين متطرّفين"...وهي مقدّمة مدروسة الغاية منها تهيئة الرّأي العام الغربي لحملات تشويه لحقيقة الإحتجاجات بإكساءها لبوس التّطرّف والإرهاب...أي التّلويح بهذا الخطر الدّاخلي الأبديّ.هذه هي الورقة الأخيرة الّتي سيحاول نظام الحكم الفاسد في تونس لعبها بآقترافه لأعمال عنف, سينسبها إلى المتظاهرين,بعد أن تسهر على وضع سيناريوهاتها وتنفيذها أجهزة البوليس السّياسي.وسيعتمد بن علي في لحظاته الأخيرة على آلة التّعذيب الجهنّميّة لجعل الشّباب المسالم المعتقل حاليّا يمضي على محاضر إدانةو"آعترافات"أملاهاعليه جلاوزةالتّعذيب "تأكّد" وجود خطر داخليّ يتهدّد الإستقرار.
واليوم لم يعد من الممكن دعم قضيّة شعبنا بجدّية وفاعليّة من دون إقامة هيكل جامع للمعارضة الدّيمقراطيّة الحقيقيّّة وهو ما طالبت به حركة الأحرار الدّيمقراطييّين التّونسيّيين {لمّا كانت الإطار التّنظيمي للقيادة الشّرعيّة للحزب الإجتماعي التّحرّري}منذ يوم 9 أفريل 2001 ضمن بيانها البرنامج "التّداول الآن" وهو البيان الّذي أكّدنا من خلاله بآسم اللبّراليّيين الحقيقيّيين في تونس {والّّذين لا ينتمون إلى ما يسمّى بمجموعة 18 أكتوبر} على الدّاء الأوّل الذي سيطيح بالدّولة البورقيبيّة ألا وهو عنصريّتها الجهويّة المؤسّسة لا على سوء توزيع مقصود لثروةالبلاد بين أبناء تونس فقط بل وكذلك لآحتكار مقصود للسّلطة السّياسيّة لفائدة جهات بعينها دون باقي جهات البلاد.هذا ما يدعونا للتّأكيد على أن يكون برنامج التّغيير المنشود مركّزا بشكل أوّلي وأساسي على طيّ صفحة هذا النّظام الفئوي الطّائفي بنصّ الدّستور. لا يسعنا أخيرا إلاّ تجديد عهد الوفاء لشهداءناو لجميع التّونسيّات والتّونسييّن الشّرفاء الأحرار. وإنّ الوفاء للوطن والشّهداء يقتضي منّا أوّلا وقبل كلّ شئ وحدة الصّفّ كرجل واحد لأجل هدف واحد هو إجلاء آخر مستعمر لتونس العزيزة و محاسبته إن آجلا أم عاجلا على ما آقترفه من جرائم.
باريس 11 جانفي 2011
رئيس حركة الأحرار
الدّيمقراطييّين التونسييّينّ
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire